Monday, November 23, 2009

الحمقى !

الحمقى !

عماد الدين السيد - الجزيرة توك - الإسكندرية مررت بشعور كهذا من قبل، سميته عجز القلم، كان هذا أثناء حرب غزة الأخيرة، حيث كنت أكتب كل يوم مقال أنبه فيه وأدعو وأشجب وألعن، معتقداً بسذاجتي أني بهذا محارب في سبيل الحق، وأن صوت القلم قادر على أن يصد النيران والقنابل واللهب، وأن يقلل عدد الشهداء وأن يخفف ألم الجرحى وأن يوقف الظلم والظالمين.الطريف أن شيئاً من هذا لم يحدث، فالطائرات لم تتوقف عن ألعاب القتل، وجدران المنازل لم تتماسك بقلمي. لم يحدث شيء في الواقع بعد كل ما كتبت. وكأن الحبر كان سرياً، أو أن شمسنا لا تجفف أحبارنا. ولكني أدركت في نهاية المطاف أن الكتابة لا قيمة لها. اليوم، وأنا أرى ما يحدث من احتقان بين العرب بسبب مباراة كرة قدم رغم كل ما حذرنا ونددنا ودعونا إليه في حملات ومقالات ونداءات، أشعر مجدداً بنفس ما كنت أشعر به. لا معنى للقلم في حياتنا. القلم لا يصد عدواناً أو يمحو فتنة أو يشفي صدراً. إنما هي الأبواق العاهرة التي لا تتوقف عن إشعال نار الفتنة. هي من يتحكم في كل أمر. قد أكون مخطئاً إذن إن قلت أنه لا قيمة للقلم في حياتنا. هذه عبارة عامة خاطئة. للقلم قيمة عظمى ولكن ليس لأقلامنا، بل لأقلامهم. حكاية أقلامنا وأقلامهم كحكاية امرأة تتهمها بالقبح مرة واحدة، فلا تجدي محاولاتك الألف لإخبارها بأنها جميلة نفعاً. قد خرجت منك كلمة واحدة صادمة فانكسر بداخلها كل شيء وما عاد قابلاً للترميم. فأقلامهم كالاتهام بالقبح مرة، وأقلامنا كألف محاولة لا قيمة لها. تخرج جريدة فتنشر خبراً يشعل نار الفتنة بين المسلمين. خبر واحد كتبته يد "شيطان ماكر" فتسحق تحتها كل دعوات الإخاء. أو يخرج إعلامي خبيث فيلقى بكلمة في برنامجه قاصداً تحقيق ربح أكبر فتهيج الدنيا ولا تهدأ. لا أدرى لماذا راودني شعور ملح يتمنى أن تلقي به كلماته هذه في النار سبعين خريفاً. تلقيت مكالمات عدة بعد الأحداث الأخيرة في الجزائر من مصريين يقولون " هل بعد كل ما فعلوه فينا مازلت تصر على الدعوة إلى الأخوة؟ ألم تصدق بعد أننا مكروهون محقود علينا؟". كنت أجيب وقتها أن دعوات الإخوة لا يمكن أن نطلقها إلا إن انقطعت الإخوة. فهذا إذن وقتها. وأن من قال هلك الناس فهو أهلكهم، وأن الله قال "أصلحوا بين أخويكم".ولكني كنت أجيب على استحياء، لا لعدم إيمان بما أقول، ولكن لشعور عظيم بأننا نتضاءل أمام نار الفتنة التي تستعر. كل ما حاولنا فعله من قبل كاد أن يُمحى في لحظة واحدة. كل ما يحدث الآن يزيدني إيماناً بحكمة الإمام عليّ كرم الله وجهه والتي لا أمل من تكرارها " الناس ثلاثة، فعالم ربانيّ، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، تحركهم كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق". ومع كل عصبية أراها أدرك صدق هذه العبارة، كالرجل الذي قال لجمع من الناس أنه سمع رسول الله يقول أن من يصل لسانه إلى أرنبة أنفه دخل الجنة. قالها لهم ليثبت لصديق له أن الناس حمقى. وقد كان. وأنا الآن أقول بلا استحياء أن كل من انقاد خلف فتنة منتنة دون أن يسمح لعقله بفرصة للتروي هو من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق.ألم يفكر ولو للحظات أن هناك من يستفيد من تفرقنا؟. ألم يفكر أن هناك من يسهر الليل ليحدث فتنة بين سنة وشيعة أو بين مسلمين ومسيحيين؟. ألم يفكر أصلاً أن كرة القدم شيء تافه لا يستحق إلا قليل من الانفعال وقت المباراة؟. هناك من مات متأثراً بالهدف الثاني للمنتخب المصري. قتلته السكتة القلبية فزعاً من الكارثة. تالله هم يضحك وآخر يبكي. ما الذي سيقوله هذا العبد لربه يوم يلقاه ويسأله عن سر موته. أم يا ترى يجب أن نعتبره شهيداً راح ضحية حبه العظيم لبلده!!.يشجعون الكرة ولا يلقون القمامة في صناديقها. يهتفون لمنتخب بلادهم ولا يعلمون أمياً لا يقرأ. تنفطر قلوبهم من هدف وتنسى قلوبهم مشهد الفقير الذي نام في الطريق بدون غطاء تحت قطرات السيل الكبير. ويثورون غضبة لإساءة حدثت لرسول الله ولا يكفون عن تمزيق سنته وهم يلقون بأخوة الدين والدم في أقرب صفيحة قمامة.أحياناً أشعر بالخجل لأنني أتصدى لقضية تافهة كهذه. أكتب عن كرة القدم. كثيراً ما أقول لنفسي أن هذا هو زمن المسخ كما يقول عادل إمام في عمارة يعقوبيان. لا شيء حقيقي في حياتنا نفعله. وداهمني إنذار بالخطر هو أني راغب في أن يكون لي مستقبل فكري كبير كما كان لمفكرين كبار. كنت أقول أن جلال أمين تصدى لقضية عظمى وهي تفنيد سياسة الاقتصاد العالمي وأثره على الثقافة. وعبد الوهاب المسيري رحمه الله تصدى للصهيونية واليهودية. فهل أملأ أنا الدنيا صراخاً في الحديث عن مباراة كرة قدم. ألا تخجلون لخجلي. الدنيا من حولنا تتحرك، الصهيانة يدمرون، والحكام يمهدون للتوريث أو لإذاقتنا مرارات أخرى، ونحن ننشغل بحروب وهمية فنركب أحصنة من خشب ونقاتل أشباحاً وسراب كما قال نزار قباني.ولم لا؟ ولم نستنكر ما نفعله؟ ألسنا نحن من تحركنا كل ريح ولم يمسسنا نور العلم. فقد رفعت الأقلام عنا فلا يكتب الملكان ذنوبنا. كأننا قوم موسى يوم قالوا " إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"

No comments: